محمد
(( المدير العام ))
دعاء الدولة : عدد المساهمات : 3173 33161 تاريخ الميلاد : 25/07/1977 تاريخ التسجيل : 28/02/2010 العمر : 46 مدرس - مدير الموقع عزيمة وإرادة
بطاقة الشخصية المدير العام: 10
| موضوع: كبائر الذنوب بين نصوص الشريعة ومقاصدها الجمعة أبريل 16, 2010 5:50 pm | |
| [size=24] كبائر الذنوب بين نصوص الشريعة ومقاصدها
بقلم أ. حسين الغريب
- سلمنا من صلاة الفجر بحمد الله وفضله.. وكنت قد قرأت في الصلاة بالربع الثالث من سورة النساء.. وما أن سلمت من الصلاة واستدرت بوجهي في مواجهة المصلين حتى بادرني أحدهم بقوله أرجو أن تبين لنا معنى قول الله تعالى " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما ".
- فقلت: إن المعنى الإجمالي للآية الكريمة.. أن المرء المسلم إذا حجز نفسه عن الوقوع في الذنوب الكبائر فإن الله سبحانه يكافئه على ذلك بتكفير ما وقع فيه من الصغائر.. ويكون ذلك سببا إلى المدخل الكريم.. وهو الفوز والنجاة يوم القيامة بإذن الله وهو دخول الجنة والنجاة من النار.
- فقال أحد الجالسين:
- وما هي الذنوب الكبائر؟
- وما هي عددها؟
- وهل لها تعريف معين؟
- فقلت أرجو أن تعيروني آذانكم وأفهامكم عدة دقائق نشرح فيها هذه المسألة الهامة في ضوء نصوص الشريعة الإسلامية ومقاصدها .
- بداية نقول أن هناك قوم من أهل العلم ذهبوا إلى كون جميع الذنوب كبائر.. واحتجوا على مذهبهم بما رواه مسلم عن أبي أمامة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " من اقتطع حق امرئ مسلم بيمينه فقد أوجب الله له النار وحرم عليه الجنة.. فقال رجل يا رسول الله وإن كان شيئا يسيرا ..قال وإن كان قضيبا من أراك"
- فقالوا قد جاء الوعيد الشديد في الشئ اليسير.. كما جاء على الكثير.. إلا أن هذا المذهب يرد عليه بأن الوعيد المذكور في الحديث ليس على كون المغصوب قليلا أو كثيرا ..وإنما على كونه حلف زورا ليصل إلى مراده.. ومعلوم أن شهادة الزور وقول الزور قد نص عليه النبي صلى الله عليه وسلم على كونه من الذنوب الكبائر.
- وذهب كثير من العلماء إلى أن الذنوب تنقسم إلى كبائر وصغائر ..إلا أنهم اختلفوا في حد الكبيرة " أي تعريفها" وكيفية التفريق بين الصغائر والكبائر من الذنوب.. فجاء في حد الكبيرة أقوال كثيرة منها:
- قال ابن عباس رضي الله عنه: الكبيرة كل ذنب ختمه الله بنار أو غضب أو لعنة أو عذاب.
- وروي عن ابن سعد أنه قال: الكبائر أربعة اليأس من روح الله.. والقنوط من رحمة الله.. والأمن من مكر الله.. والشرك بالله.. دل عليها القرآن.
- وروي عن ابن عمر أنه قال: هي تسع قتل النفس ..وأكل الربا.. وأكل مال اليتيم.. ورمي المحصنة.. وشهادة الزور.. وعقوق الوالدين.. والفرار من الزحف.. والسحر.. والإلحاد في البيت الحرام.
- قال القرطبي رحمه الله: وقد اختلف الناس في تعدادها وحصرها لاختلاف الآثار فيها.. والذي أقول أنه قد جاء منها أحاديث كثيرة صحاح وحسان لم يقصد فيها الحصر.. ولكن بعضها أكبر من بعض بالنسبة إلى ما يكثر ضرره.
- فالشرك أكبر ذلك كله.. وهو الذي لا يغفر لنص الله تعالى على ذلك.. وبعده اليأس من رحمة الله ..لأن فيه تكذيب للقرآن.. إذ يقول وقوله الحق " ورحمتي وسعت كل شئ" ..ومن يقول لا يغفر فقد حجر واسعا هذا إن كان معتقدا ذلك.. ولذلك قال الله تعالى " إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون".. وبعده القنوط قال الله تعالى " ومن يقنط من رحمة ربه إلا القوم الضالون " ..وبعده الأمن من مكر الله فيسترسل في المعاصي ويتكل على رحمة الله بغير عمل.. قال الله تعالى " أفأمنوا مكر الله فإنه لا يأمن مكر الله إلا القوم لخاسرون ".. وبعده القتل لأن فيه إزهاق النفوس.
- إلى أن قال رحمه الله: فكل ذنب عظم الشرع التوعد عليه بالعقاب وشدده أو عظم ضرره في الوجود كما ذكرنا فهو كبيرة ..وما عداه صغيرة.. فهذا ما يربط هذا الباب ويضبطه.
- وما أجمل ما قاله الإمام القرطبي رحمه الله في هذا الجزء الأخير من كلامه.. إذ فيه دلالة على فهم عظيم لمقاصد الشريعة وميزانها العادل في حساب كبائر الذنوب وصغارها.. مما يضبط الأمر ضبطا عظيما كما قال.. وما ذهب إليه القرطبي رحمه الله هو عين ما ذكره سلطان العلماء عز الدين بن عبد السلام رحمه الله في كتابه الرائع " قواعد الإحكام في مصالح الأحكام " إذ يقول رحمه الله:
- " وقد ضبط بعض العلماء بأن قال: كل ذنب قرن به وعيدا وحدا ولعنا فهو من الكبائر.. فيتغير منار الأرض كبيرة لاقتران اللعن به ..وكذلك قتل المؤمن كبيرة.. لأنه اقترن به الوعيد واللعن والحد ..والمحاربة والزنا والسرقة والقذف كبائر لاقتران الحدود بها ..وعلى هذا كل ذنب علمنا أن مفسدته كمفسدة ما قرن به الوعيد أو اللعن أو الحد أو أكبر من مفسدته فهو كبيرة.. وزيادة في إيضاح الأمر سأذكر عدة نقاط تضبط الأمر تماما وتزيده بيانا وإيضاحا.
- أولا : جميع الكبائر المنصوص عليها تتعلق مفاسدها ومضارها بالضرورات الخمس التي هي مقاصد الشريعة.. والتي جاءت أوامر الشريعة لتحصيلها وجاءت نواهيها لأجل حفظها.. وهي الدين والنفس والمال والعقل والعرض أو النسل.. وهناك من يجعلها ستا يجعل العرض والنسل منفصلين.
- ومعظم هذه الضرورات لا تتعلق مفاسدها ومضارها بالدنيا فقط بل بالدنيا والآخرة معا.. فلأجل حفظ الدين جاءت نصوص الشريعة بسلامة الاعتقاد وكمال الإيمان.. ونبذ الشرك والكفر والبدع.. وكل ما يمكن أن يكون ناقضا للإيمان.. فإذا ضاع دين الإنسان وهو من أهم الضرورات الخمس حلت به المفاسد والمضار في الدنيا بإهدار دمه وماله وحرمانه من التوارت مع كل مسلم ومسلمة وغير ذلك بكثير.. وكانت مفاسد الآخرة أعظم بخلوده في العذاب المهين.
- وهكذا الحال مع بقية ضرورات الحياة أو مقاصد الشريعة ..وبالنظر إلى ما نصت عليه الشريعة في الكتاب أو السنة على أنه من الكبائر سنجد أن مضاره ومفاسده تنهب بالدرجة الأكبر على أحد هذه الضرورات.. ولهذا جاء قول القرطبي بأن ما عظم ضرره في الوجود فهو كبيرة وما عداه صغير.
- ثانيا : وبناء على ذلك لا تكون الكبائر هو ما جاءت به النصوص فحسب.. وإنما يدخل معها كل ما سادت مفسدته ومضاره مفاسد ما نصت عليه الشريعة.. بأن قرنت به الوعيد أو اللعن أو الحد أو زادت عليه فهو من كبائر الذنوب.. فتجارة المخدرات مثلا لم يأت بها نص.. ولكن مضارها ومفاسدها تفوق مضار ومفاسد تجارة الخمر.. كما أن شرب الخمر من الكبائر.. فيكون الاتجار في المخدرات وتناولها كبيرة أيضا.
- وإذا كان الزنا حرام وهو من الكبائر.. فكذا يكون جرم من هيأ لغيره سبيل الزنا.. بأن أسك له امرأة ليزني بها أو هيأ له مسكنا ليزني فيه.. وإن لم يأت بذلك نص على أنه من كبائر الذنوب
- وكذا يكون حكم من استهزأ بحجاب المرأة المسلمة.. وإن لم ينص على كونه من كبائر الذنوب.. وكذا من كشف لأعداء المسلمين عوراتهم ليسهل عليه حربهم.
- ويكون من كبائر الذنوب أيضا أن ينضم مسلم إلى جمعية أو ناد يجعل من أنشطته معاداة الإسلام أو السعي إلى هدم قيمه ومبادئه ..ويكون من الكبائر أن يكذب الإنسان كذبا يضيع بسببه مال إنسان مسلم أو يقتل بسبب كذبه.
- وعلى هذا فالذنوب الكبائر هي كل عمل كانت له من المفاسد أو المضار ما يساوي مفاسد أو مضار ما نصت الشريعة على كونه من الكبائر.. أو قرنه باللعن أو الوعيد أو الحد ..أو زادت مفاسده ومضاره عن المنصوص عليه
- ثالثا : يترتب على ما قلنا أنه إذا أردنا أن نعرف الفرق بين الكبائر والصغائر أو إذا أردنا نعرف هل الذنب الغير منصوص عليه هل هو من الكبائر أم من الصغائر.. فما علينا إلا عرض مفسدة هذا الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها.. فإذا نقصت عن أقل مفاسد الكبائر المنصوص عليها لم يكن ذلك الذنب من الكبائر.. وإن ساواها أو زاد عليها فهو من الكبائر وإن لم ينص عليه.
- فمن زور عملة بلد مسلم فهو من أكبر الكبائر وإن لم ينص على ذلك.. لأنه يضر بأحوال شعب كامل.. ومن حصل على رشوة أو عمولة ليدخل إلى بلد مسلم غذاء أو دواء يعلم أنه يضر بأبناء هذا البلد فهو من أكبر الكبائر وإن لم ينص عليه وهكذا
- رابعا : يجب مراعاة أن الوقوف على تساوي المفاسد وتفاوتها ليس بالأمر الذي يحسنه ويدركه كل إنسان.. وإنما هو أمر يحتاج إلى فهم وفقا لمقاصد الشريعة وروح نصوصها حتى لا تختلط الأمور فيحسب الصغيرة كبيرة والكبيرة صغيرة.
- ونضرب مثالا: لو أن شابا مسلما أراد أن يحصل على عمل فعلم أن عليه أن يدفع رشوة عشرين ألف جنيه مثلا.. فتدخل رجل لدى من سيحصل على الرشوة لينخفض هذا المبلغ إلى خمسة آلاف أو عشرة فهل هو مرتكب بكبيرة التوسط بين الراشي والمرتشي أم أنه عمل على تقليل المفسدة والضرر على هذا الشاب المسلم.. ومن ثم فهو ليس مرتكب لذنب بالمرة فتأمل.
- خامسا : هناك من الأعمال التي نصت الشريعة على كونها من الكبائر كشهادة الزور.. وأكل مال اليتيم.. والسرقة.. إلا أن هذه الأعمال إذا وقعت في شئ كبير فلا شك أنها كبيرة.. وما إذا وقع ذلك في شئ حقير كمن سرق تمرة أو قلما.. ومن سيشهد زورا ليضيع على إنسان جنيها أو جنيهين.. ومن أكل مال اليتيم في نحو ذلك.. فهذا يشكل على المرء.. فيمكن احتساب ذلك من الكبائر لنص الشريعة على ذلك.. ولكي يخاف الناس من فعل ذلك.. ويمكن احتسابها من الصغائر لكون مفسدتها بسيطة صغيرة
- وأحسب والله أعلم أن ما تعلق بالمال في ذلك يمكن اعتبار أن نصاب السرقة هو الفيصل بين ما يحسب منها من الصغائر.. وما يحسب من الكبائر.
- سادسا: قد تكون الوسيلة إلى الكبيرة كبيرة مثلها.. وقد نص النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك فيما رواه البخاري ومسلم " إن من الكبائر أن يشتم الرجل والديه.. قالوا يا رسول الله وكيف يشتم الرجل والديه.. قال يسب أبا الرجل فيسب أباه.. ويسب أمه فيسب أمه" فهنا لم يسب والديه مباشرة.. وإنما كان سبه لغيرهما وسيلة وسببا إلى سبهما.
- ومثل هذا من باع سلاحا لإنسان يعلم أنه يقتل به بريئا.. ومن افتتح مكانا يعلم النساء الرقص والحث على الفاحشة وإن لم ينص على أنها من الكبائر.. وإنما هي رسائل إلى كبائر عظيمة الضرر والمفاسد.. ومنه أيضا أن يحكم القاضي بالإعدام على إنسان بشهادة شهود يعلم أنها شهادة زور.. فكان حكمه وسيلة إلى إزهاق روحه فكان من الكبائر.
- سابعا : إذا أتى الإنسان فعلا متعمدا وهو يحسبه من الكبائر.. ثم اتضح أنه غير ذلك فما حكمه؟
- ومثل هذا من قتل إنسانا يعتقد أنه معصوم الدم.. ثم ظهر أنه يستحق دمه.. أو من أكل مالا يحسب أنه لغيره.. أو شهد زورا ثم اتضح أن شهادته وافقت الواقع الصحيح.. أو شاهد امرأة في الظلمة فاعتدى عليها بالزنا ثم ظهر أنها امرأته فما حكم هذا؟
- ذهب عز الدين بن عبد السلام رحمه الله إلى أن مثل هذا تجرى عليه في الدنيا أحكام الفاسقين ..لجرأته على ربه واستهانته بشرعه.. فتسقط لأجل ذلك عدالته وترد شهادته وروايته.
- وأما في الآخرة فلا يعذب عذاب زان أو قاتل أو سارق.. لأن هذه الأفعال قد رتب الشارع عقوبتها على تحقق مفاسدها وهي غير متحققة هنا.. كما أنه لا يعذب كمن ارتكب صغيرة لجرأته على مولاه ..وإنما يكون عذابه متوسطا بين مرتكب الكبيرة ومرتكب الصغيرة.. والله أعلم
- ثامنا : أما إذا أتى الإنسان كبيرة من الكبائر وهو يحسب أنه يأتي ما هو حلال له.. كمن أتى امرأة يحسبها زوجته وليست كذلك.. وإذ أكل مالا يحسبه لنفسه وظهر أنه لغيره.. فهذا لا يتصف فعله بكونه طاعة أو معصية.. وإنما هو فعل معفو عنه كأفعال المخطئين المرفوع عنهم القلم.. ولكنه يلزم ضمان ما فوته فيرد المال.. ويلزمه مهر المرأة التي وطئها ولا إثم عليه.
- ومثل ذلك أيضا إذا حكم القاضي بما ظنه صحيحا موافقا للحق والشرع ثم ظهر غير ذلك فلا إثم عليه.. وكذا إذا شهد الشاهد بما يعرف أنه الحق ثم اتضح أن شهادته مخالفة للواقع فلا إثم عليه كذلك.
- وأخيرا أحسب أننا قد وفينا هذه المسألة حقها بيانا لميزات الشريعة في احتساب الذنوب.. ومن حيث كونها من الكبائر أو من الصغائر.. وبحيث يستطيع كل إنسان أن يزن أعماله على ميزان الشريعة ويعرضها على مقاصدها.. فيتمكن بذلك من الابتعاد عن كل ما يمكن أن يحسب عليه من كبائر الذنوب والآثام.. فيكفر الله عنه ما سوى ذلك عملا بالآية التي بدأنا بها حديثنا " إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما" والله تعالى من وراء القصد وهو يهدي السبيل.
[size=12]لمزيد من المواضيع طالع مقاصد الشريعة في الأحوال الشخصية.. دورة علمية بحقوق الإسكندرية
[/size] [/size] | |
|